الجالية العربية في أستراليا تدفع ثمن جرائم بعض أبنائها

يتجنّب عدد كبير من الأستراليين المتحدرين من أصول عربية الإجابة عن سؤال: ما هي خلفيتك وما هو بلدك الأصلي؟ يطرحه مباشرة الأستراليون عليهم فور رؤية

ملامحهم الشرق أوسطية والتحدّث إليهم، ومعرفة أنهم من أصول غير إنكليزية بسبب لكنتهم.

وسبب تجنّب الإجابة ليس خوفاً بالطبع، إنما لعدم الدخول في بحث وجدال عقيمين حول دور المغتربين في هذه البلاد سلباً أو إيجاباً. لأن المغتربين العرب يدركون

حجم الضرر الكبير الذي طاولهم بسبب الإعلام الأسترالي الذي يعمم اتهامه على الجميع، كلما وقعت جريمة أو حصلت حادثة كبيرة، كان «أبطالها» من العرب المهاجرين.

تعتمد أستراليا سياسة تقوم على احترام التعددية الحضارية والثقافية، بعد أن أنهت سياسة «أستراليا البيضاء» وبدأت الحكومة تتساهل بعض الشيء مع الراغبين في الهجرة إلى أراضيها.

وفي عام 1966، وضع رئيس الوزراء هارولد هولت قانوناً جديداً للهجرة يخضع بموجبه الوافدون إلى أستراليا للفحوصات ذاتها من دون تمييز بينهم على أساس البلد أو الخلفية الثقافية.

واستمرت الحكومة بتخفيف قانون الهجرة تدريجاً حتى استبدل رئيس الوزراء غوف ويتلام Gough Whitlam هذا القانون عام 1973 بسياسة التعددية الثقافية.

إلا أن القوانين شيء والعيش اليومي شيء آخر، لأن العنصرية لا تلغى بالنصوص إنما من النفوس. لكن ذلك لا يخفي حقيقة أن أستراليين متحدرين من أصول عربية ارتكبوا أبشع المعاصي والجرائم وأشنعها.

وقد شكلت الشرطة في سيدني أخيراً فرقة خاصة لإنهاء المجرمين من أبناء الجالية و «تركيعهم» كما فعلت مع عصابات «البيكيز» في الأعوام المنصرمة.

 

«المشاركة الأوسع»

يلفت الكاتب والإعلامي سركيس كرم إلى أنه «بمجرد أن تتخذ الحكومة الأسترالية أو حكومات الولايات والأقاليم إجراءات أمنية مشددة وتفرض قوانين جديدة ترمي إلى محاربة الجريمة على أنواعها ومن أبرزها الإرهاب، ينتفض بعضهم بحجة أن هذه الإجراءات والقوانين تضرب سمعة الجالية العربية. وهذا ما يطرح أسئلة عدة حول ردود الأفعال: فطالما أن القوانين تستهدف المجرمين، فأين يكمن استهداف الجالية تحديداً، أليس التعاطي مع المجرم ينحصر بتصرفاته المخالفة للقوانين، والتي تضر بسمعة الجالية كلها إذا وجد في صفوفها؟ لماذا تظل مكوّنات الجالية و «فاعلياتها» صامتة عندما يتعلّق الأمر بالمخالفات على أنواعها التي تُرتكب بمعدلات عالية من جانب بعض أبناء الجالية ومن بينها، إذا أردنا عدم التطرق إلى العصابات والمجرمين، نسبة كبيرة تعمل وتستفيد من تقديمات الضمان الاجتماعي على مدى عقود، ومجموعة تتحايل على شركات التأمين، وأخرى تتهرب من دفع الضريبة»؟

ويتابع كرم: «عندما نريد الاعتراض على الحكومة والسلطات الأسترالية، هل سألنا أنفسنا مرة عن نسبة مشاركتنا مثلاً في التطوع في مجالات الخدمة الاجتماعية المختلفة على الصعيد الأسترالي العام من إطفاء الحرائق الحرجية، إلى المحافظة على البيئة وغيرها؟ هل نعرف أين تذهب الأموال التي تخصصها الحكومة لمئات المنظمات والمؤسسات «الخيرية» وعلام تنفق؟ ما هي نسبة الذين يدخلون سلك الشرطة أو الجيش؟ لماذا تكون الجالية أقلية في المساهمات البناءة البارزة على الصـــعيد الأســـترالي العام، فيما تكون بارزة في السلبيات التي يستغلها الإعلام الأسترالي بدقة ومهارة كونه تحت سيطرة أعداء العرب»؟

واعتبر كرم أنه «بات علينا أن ننظر إلى أنفسنا جيداً ونراجع تصرفاتنا في محاولة إصلاح ما نعاني منه من «سلبيات» قبل أن نهاجم خطوات الحكومة وننتقدها. فالأمن يشمل الجميع والقانون يحمي الصغير والكبير، الفقير والغني، بينما يظل الإجرام هو الإجرام. فهل تعرّض أحدنا لغرامة مالية بسبب السرعة فيما هو لم يكن مسرعاً، وهل أوقفه الشرطي إن لم يخالف قوانين السير»؟

ويوضح كرم: «لا أحد ينكر وجود شوائب في تطبيق القوانين وفي بعض الممارسات، لكننا بتنا في أمس الحاجة إلى المشاركة الفعلية في المجتمع الأسترالي الأوسع عوضاً عن العيش في «كانتونات» صغيرة تعزلنا عن سائر مكوناته، والذي نعي قوانينه تماماً فقط عندما يخدمنا ذلك، ونرفضها في حال أزعجت بعضهم الذين عليهم الإدراك أن لديهم واجبات تجاه هذا البلد بالقدر ذاته الذي يطالب به بالحقوق، فالحقوق من دون واجبات ليس من العدل بشيء». ورأى أن أستراليا التي فتحت أبوابها واحتضنت كثيرين «تستحق الوفاء والالتزام بما تقرره حكومتها من أجل سلامتها وأمنها، كي تبقى ملاذاً آمناً للفارين أساساً من الظلم والحقد وغياب القوانين».

 

«تشكيك وتنميط»

وعن تفكيك وحدة الشرطة لمكافحة الجريمة الشرق أوسطية والمنظمة في نيو ساوث ويلزMiddle Eastern Organised Crime Squad MEOC وتشكيل وحدة جديدة، تلفت مستشارة وزارة الخدمات الأسرية وحماية الأطفال المتعلقة بشؤون الجالية العربية، الكاتبة ميرنا عبدالحميد الشعار، إلى أنه «على الرغم من النجاحات التي حققتها هذه الوحدة في اعتقال رموز عصابات عائلية ومنظمة، مثل عصابة Brothers 4 Life، إلا أن إطلاق هذا الاسم عليها تسبب في أذى للجالية اللبنانية والعربية، خصوصاً الجالية الإسلامية، لأنها وضعتها تحت المجهر والشبهة، ما أساء إلينا في المجتمع الأسترالي وجعلنا في موقع الاتهام، خصوصاً أن مقر الوحدة كان في ضاحية بانكستاون حيث توجد كثافة لبنانية. وقد عانت الجالية من هذا الموضوع منذ تأسيس الوحدة مباشرة بعد أعمال الشغب التي وقعت في منطقة كرونولا Cronulla Riots عام 2005. فقد شهدت المنطقة التي تقطنها غالبية أسترالية من خلفية أنغلو ساكسونية، صداماً أساسه عنصري بين سكانها ومن يزورها من اللبنانيين. وإثر ذلك، أنشأت حكومة الولاية وحدة مكافحة الجريمة المنظمة الشرق أوسطية. ولم تلاق هذه الحركة ترحيباً من الجالية لأنها افترضت أن الشغب صدر فقط من اللبنانيين، تحديداً المسلمين، بينما الحقيقة هي أن الطرفين استخدما العنف. وكان هناك اعتداء واضح على اللبنانيين دوافعه عنصرية. وكان لهذه التسمية أثرها السيئ، إذ ظن الأستراليون أن اللبنانيين جميعهم مجرمون».

وتذكر الشعار أن «الجالية احتجّت مرات عدة على هذه التسمية التي لم تكن ضرورية لاكتشاف جريمة ما، لا سيما أن الشرطة توصلت إلى نتيجة مفادها أن خلفية المجرمين في المنطقة التي ركزت عليها تحقيقاتها (بانكستاون، بانشبول ولاكمبا وغيرها من ضواحي غرب سيدني)، متنوّعة بين آسيويين وعرب وأفغان وروس وغيرهم، ما حملها إلى الاعتراف بالواقع ودمج الوحدات تحت اسم واحد هو «وحدة مكافحة الجريمة»، من دون تحديد خلفيتها الإثنية، حتى يتسنّى لها الإفادة من خدمات المخبرين وخبرتهم، والذين كان عملهم منحصراً في مجال مكافحة الجريمة الشرق أوسطية. وبات متاحاً أن توظّف خبراتهم في مجالات أخرى والتركيز على نوعية أخرى من الجريمة ألا وهي الجريمة الصامتة. وهذا ما كنا نطالب به الحكومة منذ أعوام، بدلاً من إهدار الوقت والأموال على وحدة لم تكن تسميتها واختصاصها ضروريين إذا مارست الشرطة عملها كما يجب، فالجريمة لا هوية لها».

وبصفتها مختصّة بمجال مكافحة الجريمة الصامتة (العنف المنزلي، حماية الطفل من التعنيف والإساءة والحماية من الإساءة الإلكترونية وغيرها)، تدرك الشعار جيداً «مدى حاجتنا إلى اهتمام أكبر من الدولة نظراً إلى ازدياد عدد ضحايا هذا النوع من الجريمة، خصوصاً في نيو ساوث ويلز. وأشكر الدولة على تعزيزها الخدمات البوليسية للتخفيف من ضحايا هذه الجرائم البشعة وتكريس وحدة شرطية كاملة لمكافحة الجريمة الإلكترونيةCyber Bullying. كما أن تكريس الدولة جهودها لمكافحة الجريمة والإساءة الجنسية تجاه الأطفال أمر مهم، لأن الإساءة إلى الأطفال والنساء تزداد. وعادة يسمّون هذه الجرائم الصامتة لأن الضحية تبقى صامتة ولا تخبر عن الإساءة التي قد تمتد أحياناً لسنوات حتى نعلم بها، لأسباب منها الخوف من إساءة أكبر وعدم الخبرة، وللأسف، بسبب عجز جسدي أو عقلي يستغله المجرمون»0

وتشدد الشعار على أن «تركيز الشرطة على الجريمة الصامتة هو ما يحتاج إليه مجتمعنا وفي عصرنا هذا، خصوصاً أن الجرائم الإلكترونية كبيرة ومخيفة وأبطالها كالأشباح يستخدمون أساليب مبتكرة، ولا يمكن تحديد هوياتهم في معظم الحالات».

كما لا بدّ من التأكيد «أن تسمية الجريمة بخلفيتها الإثنية قد أثبتت فشلها سابقاً، حيث كان تركيز الشرطة في سبعينات القرن الـ20 على العصابات الإيطالية مثل «مافيا كالابريان»، ثم ركزت على الجريمة الآسيوية في الثمانينات والتسعينات، وكانت توجد وحدة أطلق عليها Asian crime Squad. لكن هذا لم يحد من الجريمة الإثنية لأن المجرمين طوّروا وسائلهم لتطاول الجاليات المختلفة.

ويأمل المعنيون بأن تكون الحكومة الأسترالية أخذت عبراً من تجاربها السابقة، لجهة عدم وسم الجريمة بصفة إثنية، وأن تركز اهتمامها على مواجهة الجرائم الصامتة التي تجتاح بيــوتاً وتؤثر في أولاد ولا تفرّق بين عربي وأجنبي.